كيفية معالجة التعقيد والتوسع الزائد في المبادرات التنفيذية

يعتبر بناء المبادرات التنفيذية من اهم خطوات التخطيط الاستراتيجي، وتستغرق هذه الخطوة جهدا ووقتا أكثر من أي مهمة أخرى في العملية. ولأن تحويل الاستراتيجية الى واقع، يكون من خلال تنفيذ هذه المبادرات، فإن مقترحات المبادرات تخضع لعملية تقييم دقيقة لضمان ملائمتها لتحقيق الغرض الاستراتيجي المطلوب. لكن كما عادة يقال: ما يبدو رائعًا على الورق لا يُترجم دائمًا إلى واقع جميل.

في كثير من الأحيان يكون لدى المؤسسة مبادرات مميزة لكن تتعثر في تنفيذها لعدة أسباب من أهمها كثرة المبادرات والتعقيد والتوسع الزائد في مهام البعض من هذه المبادرات مما يجعل تنفيذها صعبا أو غير متوافق مع الوقت المتاح لدى الموظفين المنفذين للمبادرات. وتصبح المبادرات التي كان من المفترض أن تطور وتحسن العمل مجرد عبء إضافي ومشكلة أخرى تضاف الى المشاكل السابقة الموجودة في المؤسسة.

يتم اقتراح المبادرات واعتمادها عادة من قبل القيادات الإدارية بالمؤسسة، بينما التنفيذ يتم من قبل المشرفين والموظفين في أسفل المؤسسة. ويظن بعض القادة أن كثرة المبادرات ووضع الكثير من المهام داخل المبادرة الواحدة هو الضمان لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، ويدفعهم التفاؤل الزائد أحيانا الى وضع اهداف غير واقعية ومهام مفرطة في التعقيد دونما مراعاة للوقت والجهد والتركيز المطلوب من الموظفين المنفذين للمبادرات. وكما هو الحال دائما لا يوجد خطة تنجو من التصادم مع الواقع! فعندما يسند تنفيذ المبادرات إلى الموظفين تحدث ربكة كبيرة بسبب عدم تناسب الوقت والجدارات لديهم مع تلك المطلوبة للتنفيذ، ويصبح العمل ساحة معركة يتواجه فيها تنفيذ المبادرات الاستراتيجية مع تأدية الأعمال الروتينية الاعتيادية، وقد يؤدي حجم العمل المطلوب إضافة لتضارب الوقت والمهارات بين تنفيذ المبادرات والاعمال الاعتيادية للتوقف الكامل عن تنفيذ بعض المبادرات، او التوقف المتكرر من أجل تلبية الأولويات العاجلة للأعمال الروتينية، أو تجاهل الموظفين للمهام التي ليس بها مسائلة وهو أمر ليس من مصلحة المؤسسة، إضافة الى أن توقف المبادرات الكامل او المتكرر يؤثر سلبا على التحفيز والحماس والزخم الذي نشأ عند بداية تنفيذ الاستراتيجية. ويمكن تشبيه هذه الحالة بطريق مزدحم تسير فيه السيارات ببطء شديد، وتتوقف تماما من حين لآخر.

لتفادى تعطل المبادرات وتوقفها بسبب الكثرة والتعقيد والتوسع في المهام، يحتاج القادة الى أن يكونوا واقعيين ومرنين عند بناء واعتماد مقترحات المبادرات، وأن يقللوا من التفاؤل والظن بأن أي شيء يمكن تحقيقه. ويجب أن يفهموا أن بعض المهام في بعض المبادرات قد تكون جيدة بالفعل لكنها تحتاج الى جدارات مخصصة ووقت وجهد وتفرغ كامل من الموظفين. قبل إسناد المبادرات إلى الموظفين، يجب تقييم جداراتهم وقدراتهم والوقت المتاح لديهم ومقارنتها مع تلك المطلوبة للتنفيذ. ويجب أن يتم تنفيذ المبادرات بالتتالي وبشكل منسق وليس كلها في وقت واحد كلما أمكن لتجنب إثقال كاهل الموظفين. ولو رجعنا إلى مثال الطريق المزدحم بالسيارات، سنجد أن الحل العملي للمشكلة يكون بإبقاء بعض السيارات خارج الطريق (الحد من المبادرات) او تشجيع الناس على استعمال المواصلات العامة (دمج المبادرات)، أو جدولة استخدام الطريق (أي بدء المبادرات فقط عندما تتوافر الموارد والوقت)، أو بناء طريق سريع وواسع (زيادة عدد الموظفين المنفذين وتوسيع عمليات التنفيذ).

لتنسيق تنفيذ المبادرات، ننصح بإتباع الخطوات التالية لكيلا يتم التنازل عن جودة التنفيذ مقابل حجم العمل في المبادرات:

  1. تحديد مؤشرات نجاح كل مبادرة، والتركيز فقط على المهام التي تحرك ابرة المؤشر.
  2. الاستماع الى أراء الموظفين أثناء اقتراح المبادرات وقبل اعتمادها والأخذ بهذه الآراء، فهذا هو أحد اهم مفاتيح التنفيذ الناجح للمبادرات.
  3. تبسيط الأنشطة والمهام في المبادرات التنفيذية قدر الإمكان لكيلا تكون عقبة عند التنفيذ ولكي تحظى بقبول الموظفين في أسفل المؤسسة ويكون بالإمكان تنفيذها جنبا الى جنب مع الاعمال الروتينية الاعتيادية.
  4. كثير من المشاكل هي نتاج لسبب جذري واحد، فلو تم وضع مبادرة لمعالجة كل مشكلة سيكون لدينا الكثير من المبادرات، لكن لو وضعنا مبادرات لمعالجة الأسباب الجذرية سيكون لدينا مبادرات قليلة ونتمكن من خلالها من حل مشاكل كثيرة.
  5. ترتيب لقاء بين أصحاب المبادرات للنقاش فيما بينهم حول الغرض من مبادراتهم والإطار الزمني لكل مبادرة وتواريخ البداية والنهاية وتحديد أي تكرار او موارد مشتركة بين المبادرات لتوحيدها كلما أمكن.
  6. تحديد الجدارات والوقت المطلوب لكل مبادرة ومقارنتها بالجدارات والوقت المتاح لدى الموظفين لتحديد أي فجوات في الجدارات او الوقت، وتحديد أي تضارب محتمل مع تلك المطلوبة للأعمال الاعتيادية.
  7. ترتيب وجدولة تواريخ بداية ونهاية كل مبادرة بناءً على فوائدها المتوقعة وبمراعاة الأنشطة الأخرى المخطط لها وتوافر الموارد.
  8. تحديد التأثيرات المحتملة للمبادرات المخطط لها على الأعمال الاعتيادية، وتنسيق تنفيذ المبادرات بصورة تحد من أي تأثيرات سلبية.
  9. وضع آلية لتنفيذ المهام المعقدة في المبادرات بأقصر وقت ممكن وبدون إضاعة للوقت لتفادي تركها او تعثر تنفيذها وما يترتب على ذلك من تأثير سلبي على سير المبادرات الأخرى والاعمال الروتينية الاعتيادية.
  10. أخيرًا والأهم هو فهم أن بناء الإستراتيجية ليس حدثًا يحدث مرة واحدة. في عالم اليوم المتغير وسريع التحرك، نحتاج الى مراجعة المبادرات والمكونات الأخرى في الاستراتيجية بشكل سنوي او كلما تغيرت الظروف، وتحديث الاستراتيجية بناء على نتائج هذه المراجعة.
د. ناصر الدين ظافر
المدير التنفيذي، سيرتي غلوبال
استشاري التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي وتميز الأعمال
تابع د. ناصرالدين ظافر على هذه المنصات